شعب الأمازيغي في المغرب بين الثقافة والسياسة

 الهوية المغربية معقدة ومتعددة الأبعاد، ففيها جوانب عربية وأمازيغية وإسلامية وإفريقية وأندلسية ويهودية. نشأت العروبة جنبًا إلى جنب مع الإسلام، فأصبح كلاهما جزءًا من الثقافة المغربية، بينما نشأت الجوانب الأفريقية والأندلسية بسبب العوامل الجغرافية، فالمغرب بلد يطل على أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. أما اليهودية فجذورها أقدم من الإسلام في المغرب العربي البعيد.

 تعايش الثقافات والمجموعات العرقية في المغرب

☀☀تداولت العربية والأمازيغية في المغرب في القصور والمساجد والمحاكم وفي كتابات الفقهاء والكتاب.☀☀

بقيت العربية والأمازيغية في المغرب متداولة في القصور والمساجد والمحاكم وفي كتابات الفقهاء والكتاب. وقد تعايشت كل هذه الجوانب حسب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عاش فيها المغرب على مدى القرون الماضية. وقد ارتبط التعايش ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار، بينما ارتبط النزاع والصراع ارتباطاً وثيقاً بالحروب والفتن والصراع. وهذا قانون ينطبق على جميع الأمم والشعوب تقريبًا. وذلك لأن العلاقات بين مكونات الهوية الوطنية، سواء كانت مفتوحة أو مغلقة، تأخذ طابع الوضع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد.

 فقد كانت العربية والأمازيغية اللغتين المتداولتين في قصور السلاطين ومساجد المملكة ومحاكم الدولة وكتابات الفقهاء وأدب الشعراء وروايات الرحالة والمؤرخين. وظلت القبائل العربية والأمازيغية تتعايش بطريقة طبيعية، حيث أصبحت بعض القبائل العربية أمازيغية والبعض الآخر تعرب عن طريق الهجرة وسلطة لغة القرآن. 

 وظل الحال على هذا المنوال حتى عام 1912، عندما خضعت البلاد لنير الحكم الاستعماري الفرنسي. وفي ضوء التوجه السياسي الذي نصح به أحد العلماء المستشرقين الذين قدموا إلى المغرب قبل الجيش الاستعماري، تبنى المغرب سياسة "فرق تسد". وميز بين العرب والأمازيغ، معتبراً العرب متعصبين بينما كان الأمازيغ أكثر انفتاحاً، فالأول متدين والثاني براغماتي يميل إلى الاعتماد على العرف لا الدين في التشريع. وقد كان رد فعل الحركة الوطنية ضد الحكم الاستعماري هو التمسك بالعناصر العربية والإسلامية التي أصبحت مهددة من قبل الفرنسيين، كما أن التقاءها بالتيارات المشرقية من الشام ومصر وفلسطين عزز البعد القومي العربي في الحركة الوطنية.

 وكان للمغاربة شعار شهير في مساجدهم: "اللهم الطف بنا في مصيرنا، ولا تفرق بيننا وبين إخواننا الأمازيغ المتوحشين (الأمازيغ)". وكتعبير عن رفض السياسات العنصرية التي عبثت بمكونات الهوية المغربية، فشلت سياسة الانفصال، لكن سياسة الوحدة لم تنجح نجاحاً كاملاً.

الاستقلال والتحول

بعد الاستقلال، استمرت الجوانب القومية العربية في سياسة الدولة تحت تأثير حزب الاستقلال، أقوى أحزاب الحركة القومية المغربية التي كانت تناضل من أجل الحرية والاستقلال، وقد استمرت الجوانب القومية العربية في سياسة الدولة. ولم يتم الالتفات إلى حقيقة أن الهوية المغربية ذات أبعاد لغوية ودينية وإثنية وجهوية متعددة. وكان شعار تعريب التعليم والإدارة والقضاء رداً مباشراً على عملية "الفرنسة" التي فرضها المستعمر على الشعب المغربي، والتي كانت تهدف إلى استمرار تبعية المغرب لفرنسا بعد الانسحاب العسكري.

☀☀ ومن أسباب قمع الشعب الأمازيغي في المغرب تورط ضباط أمازيغ في الانقلابين العسكريين ضد الملك الحسن الثاني.☀☀

وقد استمر هذا الخلل دون الانتباه إلى أن موجة التعريب والنزعات القومية لبعض النخب لم تكن رداً على الاستعمار فحسب، بل كانت أيضاً "ظلماً" لأفراد العرق الأمازيغي الذين بدأوا يشعرون بالاضطهاد عشية الاستقلال، مما ساهم في نضالهم السياسي والعسكري ضد المحتلين لم يكن الشعب الأمازيغي هو الأكثر استضعافًا في العالم فحسب، بل كان الشعب الأمازيغي هو الأكثر ضعفًا أيضًا. فبالإضافة إلى غياب مشروع ثقافي واجتماعي للدولة لحل ما تسميه الأنثروبولوجيا الثقافية "الانتماءات الفرعية"، كان هناك تورط ضباط أمازيغ في انقلابين عسكريين فاشلين ضد الملك الراحل الحسن الثاني (1971-1972).

 بحلول أوائل التسعينيات، كان الوقت قد حان لإحياء "الحقوق الثقافية الأمازيغية" على الصعيدين الوطني والدولي، ولكن هذه المرة بنفَس سياسي وأيديولوجي. في هذه الأجواء، تحوّل العديد من النخب الأمازيغية التي كانت نخبًا حزبية من اليسار والمثقفين الأمازيغ في الجامعات ومراكز البحث إلى ناشطين جدد في الحركة الأمازيغية، مستفيدين من جهة من موقف السلطة المنفتح نسبيًا على النشاط السياسي والاجتماعي، ومن جهة أخرى من استفادوا من شبكة المنظمات. وهكذا، تشكلت حركة، يمكن اعتبارها ثقافية وسياسية في آن واحد، تطالب بإعادة اللغة الأمازيغية باعتبارها "اللغة الوطنية"، والاهتمام الاقتصادي والاجتماعي بالمجتمعات الأمازيغية المهمشة والفقيرة، وإدراج اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية.

إدماج اللغة الأمازيغية في برامج الدراسة في المدارس العمومية ووسائل الإعلام والإدارة والقضاء.

 الحركة الأمازيغية في المغرب بين السياسة والثقافة

تدعو الحركة الأمازيغية في أقصى تطرفها إلى طرد العرب من الأراضي الأمازيغية، وتصف التاريخ المغربي بعبارات عنصرية، وتصور العرب والمسلمين على أنهم محتلون للأراضي الأمازيغية.

 الحركة الأمازيغية هي حركة سياسية تستخدم اللغة والعرق للوصول إلى السلطة، ولذلك يعتقد البعض أن الحركة الأمازيغية والحركة الأصولية وجهان لعملة واحدة، حيث تستخدم الأولى الدين لأغراض سياسية وتستخدم الثانية اللغة لنفس الغايات.

 أما الاتجاه الثاني فيرى أن الحركة الأمازيغية حركة ثقافية نشأت كرد فعل على إقصاء الجوانب الثقافية الأمازيغية من السياسة العامة والمشهد الثقافي والإعلامي المغربي، وبالتالي فإن مطالبهم مشروعة واحتضانها أفضل بكثير من إقصائها، على سبيل المثال وكمثال على ذلك يستشهد بأحداث منطقة "القبائل" بالجزائر، وكيف أن قضية الأمازيغ كانت سببًا في الانفصال وعدم الاستقرار.

 النظام المغربي والأمازيغ.

☀☀ من أشد المعارضين للحركة الأمازيغية في المغرب هم من أبناء البلد مثل زعيم حزب العدالة والتنمية عبد السلام ياسين، وسعد الدين عثماني، والمفكر محمد عابد الجابري، وهما من قيادات حزب العدالة والتنمية.☀☀

قبل سنتين، أنشأ الملك محمد السادس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من أجل إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية في الجامعات والمدارس ووسائل الإعلام. وجعل الملك ميزانية المعهد جزءًا من الميزانية العامة للقصر الملكي، كدليل على الرعاية الملكية لهذه المتطلبات. ومن ناحية أخرى، كان والد الملك، الملك الراحل الحسن الثاني، متردداً في تلبية هذه المطالب، وكان أكثر تمسكاً بالثقافة العربية من تمسكه بجذوره الأمازيغية، رغم أن والدة ولي العهد الحالي، الملكة الأم، كانت أمازيغية. اعتاد الملوك والسلاطين المغاربة على ضمان ولاء البربر، وكان النسب أحد وسائل إدارة الاختلافات العرقية في المملكة الشاسعة.

 وبعد انهيار المعسكر الشرقي، حلّ الانتماء العرقي والديني محل جاذبية النظرية الاشتراكية والوعد بالوحدة. ثانياً، تنامي تأثير النزعات الدينية. وقد اتخذت النزعات الدينية طابعاً "عربياً" بسبب التوجهات الفكرية لكبار المنظرين من مصر والعالم العربي الشرقي.

 ومن مفارقات الوضع في المغرب أن أكثر الناس معارضة للحركة الأمازيغية اليوم هم أبناء جلدتهم من الأمازيغ أو الأمازيغ الذين يقودون حركات دينية كبيرة مثل عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان وسعد الدين عثماني زعيم حزب العدالة والتنمية، بينما مثقفون من أمثال محمد عابد الجابري صاحب الفكر العروبي. لا تزال هذه المفارقات عالقة.


إرسال تعليق

x